........ مرت زبيدة زوجة هارون الرشيد الخليفة العباسي ببهلول وهو يلعب مع الصبيان ويخط على الأرض بأصابعه فلما رأت **يدة ذلك تأملت فيما يصنع ثم قالت له : " ماذا تفعل ؟ " .
........ قال البهلول للصبيان وهو يخط تراب الأرض بإصابعه : " لا تهدموا البيت الذي بنيته "
ثم ألتفت إلى **يدة وقال : " أما ترين أني مشغول ببناء البيت ؟ " .
........ أرادت **يدة مساعدة بهلول إلا أنها كنت تعلم رفضه لذلك ، فتأملت قليلاً ثم قالت :
ــ أراك تبني بيتاً جميلاً يليق بالعظماء ، وها أنا أرغب في شرائه منك " .
ــ هذا البيت ؟! ، نعم أبعه إياك . أجابها وهو منكس رأسه إلى الأرض يخط ترابها بإصبعه
ــ اشتريت منك هذه الدار فكم يكون ثمنها ؟ . قالت وهي تنظر للخطوط المعوجة التي رسمها
........ قام البهلول على قدميه وسوى ظهره ، وقد كانت بيده عصا أشار بها إلى الصبيان وهو يقول : " بألف دينار لي ولهؤلاء الذين أعانوني في بنائها " .
........ فأشارت **يدة إلى أحد خدمها وقالت له : " أعطيه ألف دينار " . ثم انصرفت
........ أخذ بهلول الدنانير وكانت سككاً ذهبية وقسمها بين الفقراء فلم يبق في كيسه دينار واحد .
ومضت على هذا الحادث عدة أيام .
........ ذات ليلة رأى هارون الرشيد في المنام نفسه وكأنه يساق إلى الجنة ، فلما بلغ أبوبها قيل له : " هذا قصر زوجتك **يدة " . فلما أراد الدخول منعوه من ذلك .
........ وفي صباح اليوم التالي قص هارون رؤياه على علماء قصره فقالوا له : " سل **يدة عما فعلت من البر " . فلما سألها أخذت تفكر في العمل الذي استحقت من أجله قصراً في الجنة فلم تتذكر شيئاً سوى أنها أعطت لبهلول ألف دينار وقصت خبرها في ذلك على هارون .
........ أدرك هارون الرشيد ضرورة البحث عن بهلول ليشتري منه بيتاً ، البيت الذي ليس له في هذه الدنيا قرار لكنه يكون في الآخرة قصراً مشيداً . فأين بهلول ؟
........ خرج هارون من قصره ومعه أحد أقربائه يبحث عن بهلول فوجده في إحدى أزقة بغداد جالس وحوله عدة صبيان وهو يخط تراب الأرض بإصبعه . حاول هارون التظاهر بعد الاكتراث وقال :
ــ أرى أقرب أقربائي يلعب مع الصبيان ويعبث بإصبعه على التراب .
ــ نحن نتمتع بما رزقنا الله في هذه الدنيا ، وها أنت ترى أني مشغول ببناء بيت على أرض الله لكي أبيعه . أجابه بهلول وهو يخط بإصبعه الأرض
ــ ليس قصور الملوك كالبيوت التي أنت مشغول ببنائها إلا أني مع ذلك أود شراء أحدها .
........ قال هارون ذلك بكل سرور وصوته يرتعش ، فرفع بهلول إصبعه من التراب ووضعه نصب عينيه ثم أغمض إحداهما وأخذ ينظر إلى إصبعه بالأخرى ، ثم أشار إلى الأرض بإصبعه وقال : " هل تشتري مثل هذا البيت ؟! " .
........ جثا هارون على ركبتيه إلى جانب تلك الخطوط التي رسمها البهلول وقال :
ــ رضيت بهذه الدار وإني قد أشتريتها منك .
........ نظر بهلول لهارون نظرة متأمل ، ثم هزأ منه ضاحكاً وقال :
ــ ثمن هذه الدار باهظ جداً .
ــ كل ما تعلقت به رغبتنا وأردناه لا يصعب علينا الحصول عليه وإن كان ثمنه باهظاً .
........ قال هارون ذلك وهو يتظاهر بعدم المبالاة بضحك بهلول ، فذكر بهلول آلاف الأكياس من الذهب والبساتين الكبيرة والأموال الطائلة قيمة لتلك الدار .
........ سكت هارون الرشيد حتى أتم بهلول كلامه ، والغضب قد استوى عليه لآن ما طلبه بهلول لم يكن بالشيء القليل فإنه لو جمعت ثروات جميع الأغنياء وتكدست على بعضها لم تبلغ معشار ما طلبه بهلول ثمن لداره .
فما هو اللغز الكامن في كلام بهلول وما يريد من وراء ذكره هذا الثمن الخيالي ؟!!
........ أراد هارون أن يعرف السر في ذلك ولذا قال لبهلول :
ــ لقد بعت عين هذه الدار ل**يدة بثمن أقل من ذلك بكثير، فقد بعتها إليها بألف دينار، ولما أردت شرائها منك أراك تقول قولاً شططاً .
........ نهض بهلول من الأرض وبعثر ما كان قد رسمه عليها بأطراف أصابع قدميه ، وقال :
" ليعلم الخليفة أن بينه وبين زوجته زبيدة فرقاً شاسعاً ، فإن **يدة اشترت وهي لم تر، وأنت رأيت وتريد أن تشتري "
........ ثم عاد مرة أخرى يلعب مع الصبيان .