أنا علي كاشـف الأهوال ***** أنا ابن عم المصطفى المفضال
فلما سمع العفريت ذلك حمل على الإمامعليه السلام وأراد يفعل به مثل مافعل بابن العاص فقال: فالتفت به الإمام عليه السلام وزعق به الزعقة الهاشمية المعروفة عند الغضب فقلنا إنه صاعقه نزلت من السماء حتى جاوبته الأصوات من كل جانب فأذهله ثم بادره بسيفه ذي الفقار وضربه ضربة وجعله شطرين وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ثم إن الإمام عليه السلام وقد قام العرق الهاشمي بين عينيه وقد ملىء غيضاَ وحنقاَ وإذا نحن هايل ودخان قد علا من البئر والنيران تطير علينا منه والإمام عليه السلام يقول ((كوني برداَ وسلاماَ كما كنت على إبراهيم برداَ وسلاماَ)) قال عمرو: فخرج جميع الأصناف بصور مختلفة وهي عدة كثيرة فنظر إلينا الإمام عليه السلام ونحن نرتعد من الخوف وخرج من باب البئر شهاب عظيم عال بالجو إلى عنان السماء وعلا الصراخ واشتد الصياح حتى لم يسمع أحد منا صاحبه وغشانا الدخان ولاندري من أين تلتقي النيران فينا فعزّمنا على الفرار من شدة مالحقنا فلم يدعنا الإمام عليه السلام فعند ذلك ناداهم أمير المؤمنين عليه السلام: (يامعشر الجن والشياطين أتطاولون عليّ باختلاف صوركم الله أمركم بهذا أم على الله تفترون عزّمت عليكم بـ (( الصافات صفا * والزاجرات زجرا * واتاليات ذكرا * إن إلهكم لواحد * رب السماوات والأرض ومابينهما ورب المشارق والمغارب * إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب * وحفظا من كل شيطان مارد * لايسمعون إلى الملأ الأعلى ويقذفون من كل جانب * دحورا ولهم عذاب واصب * إلا من خطف الخطفة فاتبعه شهاب ثاقب * يامعشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات والأرض فانفذوا ولاتنفذون إلا بسلطان * يرسل عليكم شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران * وبالطور وكتاب مسطور * في رق منشور * والبيت المعمور * والسقف المرفوع * والبحر المسجور * إن عذاب ربك لواقع * ماله من دافع)) عزّمت عليكم يامعشر الجن والشياطين بأسماء الله العظام وبـ((قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفوا أحد)) وبـ((قل أعوذ برب الفلق * من شر ماخلق * ومن شر غاسق إذا وقب * ومن شر النفاثات في العقد * ومن شر حاسد إذا حسد )) وبـ((قل أعوذ برب الناس * من شر الوسواس الخناس * الذي يوسوس في صدور اناس * من الجنة والناس))) قال قيس بن سعد وعمرو بن أمية الضيمري: فما استتم كلامه عليه السلام حتى خمدت النيران وغاب الدخان فعندها تقدم الإمام عليه السلام ونحن خائفون ومعنا القرب حتى وصلنا ووقفنا قرب البئر ثم استدعى بالدلو فأخذه وأدلاه فلما صار في قرار البئر وإذا بالدلو قد انقطع ورمي خارج البئر فغضب الإمام عليه السلام ونادى: من منكم رمى الدلو فليبرز إليّ؟ قال: فخرج إليه الغفريت الذي قطع الدلو وهو يقول:-
جاء الهمام الممنع لعمركم مقطع ***** معود خوض اللقا غضنفر سميدع
قالك فلم يدعه الإمام عليه السلام يتم شعره دون أن هجم عليه وبادره بضربة فوقع مجدلا وعجل الله بروحه إلى النار وبئس القرار ثم ان الإمام عليه السلام أخذ الدلو وأدلاه ثانيه وهو ينشد ويقول مصليا على طه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم:-
أنا علي أنـزع الـبــطـين ***** أضرب هامات العدا بالسيف
إن تقطعوا الدلو لنا ثانيا ***** أضربـكم ضربا بغــير حيف
فأجابه عفريت من عفاريت البئر وهو يقول:-
ياصاحب القول الكذوب الأقطع ***** مالـك في مشـربـنا من مـطـمـع
امــض عـن البـئـر ولاتـصـدع ***** وخـل عـن هذا المـكان الأقـطـع
تأكـل الـطـير ووحـش الـبــلقع ***** من قبل أن تكفى صريع مصرع
فلما سمع الإمام عليه السلام كلام العفريت ردّ عليه مقاله وأنشأ يقول:-
ياصاحب الشعر اللعين الكاذب ***** سوف ترى من العذاب الواصب
إن كنـت لاتـعرفـني عنـد اللـقا ***** أنــــــــا عـلي هـازم الــكـتـائـب
إن رجـع الـدلـو إلـي خـالـيـا ***** أنـزل فـي الـبـئـر بـسيف واصب
ثم إن الإمام عليه السلام أرسل الدلو فلما أن وصل إلى الماء انقطع الدلو ورمي فقال عليه السلام يامعشر الجن والشياطين أيكم قطع الدلو في البئر فليبرز إليّ فلم يبرز إليه أحد فأخذ الإمام الدلو وألقاه ثالثة وإذا بغفريت من البئر يقول:-
ياصاحب الدلو العلي الشأن ***** والرجل المذكور من عدنان
إن أنت قد أدليت دلوا ثانيا ***** رميـت فـي الـبـئـر بلا تواني
فلما سمع الإمام عليه السلام كلامه قام عرق الغضب بين عينيه ونادى: يامعشر الجن والشياطين تخوفوني بالنزول إليكم فاشتدوا لقتالي واعتدوا لبرازي ثم ربط الرشا في وسطه وقال لأصحابه أدلوني إليهم؟ قال عمرو: فأقبلنا إليه وقلنا له: إن هذا البئر بعيد المدى واسع الفضاء قد ترى ماحل بنا من النيران منهم وعواصف الدخان ونحن خارج البئر فكيف يا أبا الحسن إذا صرت في قعره وأحاطت بك العفاريت يرمونك بشهب النيران قال: فعند ذلك قال عليه السلام لهم: بحق ابن عمي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما أنزلتموني إليهم؟ قال عمرو: فلما أقسم علينا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علمنا أن نحن منعناه رمي نفسه إلى قرار البئر قال قيس بن سعد: فدنينا إلى أن صار في وسط البئر فإذا بالرشا قد قطع فرمى الإمام عليه السلام نفسه إلى قعر البئر وذو الفقار بيده مسلول وبيده درقة عمه حمزة. قال عمرو: فلما انقطع الحبل ضججنا بالبكاء والنحيب وأيقنا بالهلاك وقلنا: اللهم لاتفجع به قلوبنا ولاقلب نبيك قال: وإذا شهب النيران كأنه الكواكب إذا رجمت بها الشياطين وهي تختلف في قعر البئر من كل جانب ومكان فنادينا: ياأبا الحسن فلم يجبنا أحد فاشتد علينا ذلك فأخذنا بالبكاء والعويل وآيسنا من الإمام عليه السلام وبقينا زماناَ طويلاَ وعزّمنا على الإنصراف قالك فبينما نحن كذلك وإذا بزعقات الإمام عليه السلام كصواعق من السماء فطابت أنفسنا وفرحنا وإذا بقائل يقول: يابن أبي طالب أعطنا الأمان والذمام فقال: والله مالكم أمان ولا ذمام حتى تقولوا قولاَ مخلصاَ لاإله إلا الله محمد رسول الله وتعطوني العهود والمواثيق أن لاتمنعوا وارداَ ورد هذا البئر قال عمرو: فبقي الإمام عليه السلام في البئر وانقطع عنا خبره وكنا نركن إلى صوت فبقينا متحيرين لاندري مانصنع فأصغينا ولم نسمع صوته فبينما نحن كذلك وإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر قليل وهو يبكي وينادي: يابن عماه فلم يزل كذلك حتى وقف على البئر فظننا أنه قد نزل عليه الوحي من الله تعالى بهلاك علي عليه السلام فجعلنا نقبل يديه وعن يمينه وعن شماه ولو أن ملكاَ من الملائكة الذين معه أراد هلاك الجن قبض أرواحهم في ساعه واحدة لأمكنهم ذلك ولكن أحببت أن يكون لابن عمك الذكر إلى يوم القيامة فنادى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا الحسن فاجابه لبيك لبيك يارسول الله صلى الله عليك أبشر بالنصر ثم قلنا: ندلي عليك بعض الأرشية حتى تصعد فلم نشعر إلا وهو معنا قالك فعانقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضمه إلى صدره وقبل مابين عينيه ثم قال: أتحدثني أم أحدثك بماجرى عليك؟ فقال علي عليه السلام من فمك أحلى بأبي أنت وأمي. قال قيس بن سعد: سمعت بعض النفر الذين كانوا معه يقول: الساعة تبكي وتصيح والآن تضحك! وتريد أن تحدثه بما جرى عليه قال عمرو: وأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحدثنا بما جرى على الإمام عليه السلام ومالاقاه من أعداء الله في البئر فقال أمير المؤمنين عليه السلام: صدقت يارسول الله قد كان ذلك قال: ومن جملة ماحدثنا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أن الإمام قتل منهم في البئر زهاء عشرين ألف عفريت وأسلمت على يديه أربعة وعشرون قبيلة من طوائفهم الذين بقوا إلى الآن ومن أطراف العجائب الذين يحدثون بها إلى آخر الزمان قال عمرو: وقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمر بالنزول قريب البئر فسقوا مطاياهم وأقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه واستراحوا حتى باتوا ليلتهم ثم ارتحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الغد ورحل المسلمون إلى المدينة الطيبة وقد فتح الله بالنصر والضفر